lundi 21 novembre 2016

حُرْمَةِ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَالْأَعْرَاض


CSS1 Test Suite: 5.3.1 color

CSS1 Test Suite: 5.3.1 color


[Previous] [Next] [Section] [Contents] [Specification]

The style declarations which apply to the text below are:

.one {color: pink;}


حُرْمَةِ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَالْأَعْرَاض إن من أعظم ما أكَّد عليه النبي عليه الصلاة والسلام في خطبه المباركات في حجة الوداع بعد تأكيده على توحيد الله وإخلاص الدين له جلَّ في علاه مراعاة حقوق العباد والحذر من انتهاك حرماتهم ، سواءً في دمائهم ، أو أموالهم ، أو أعراضهم . ومن يتأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم ومواعظه العظيمة في حجة الوداع يجد تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم البالغ على هذه القضية العظيمة وشدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بها ، ولنتأمل شيئًا من تلك الخطَب عن نبينا صلى الله عليه وسلم مما قاله في يوم عرفة وفي يوم النحر وفي أوسط أيام التشريق الثلاثة : فعن جابر رضي الله عنه في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : « حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا... » الحديث . رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ - فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) رواه البخاري . وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى ، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى ، قَالَ : أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) متفق عليه . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا )) رواه البخاري . وعن جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: ((لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) متفق عليه . وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ : مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ: مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَالْمُهَاجِرُ: مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ )) رواه أحمد . وعن سلمة ابن قيس الأشجعي رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (( أَلَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ : أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَسْرِقُوا )) رواه أحمد . وفي نهيه عليه الصلاة والسلام عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق بيانٌ لعظيم حرمة الدماء ، وفي نهيه عن الزنا بيانٌ لحرمة الأعراض ، وفي نهيه عن السرقة بيانٌ لحرمة الأموال . ومن يتأمل هذه الأحاديث العظيمة والتأكيدات المتكررة من نبينا صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على هذا الأمر العظيم والمطلب الجسيم يدرك عِظم الخطْب وجسامته ، وأن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمةٌ محترمة ، لا يجوز انتهاكها ولا التعدي عليها بأي نوعٍ من التعدي . ومن ينظر إلى واقع المسلمين ولاسيما في هذا الزمان يجد في كثير من الناس استخفافًا عظيما واستهانة بالغة بأمر الدماء والأموال والأعراض ، من غير مخافة من الله ولا مراقبةٍ له جل في علاه ، ومن غير استشعار للمنقلب والوقوف بين يدي الله { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }[الشعراء:227] . ومن فَقُهَ هذه القضية وأدرك جسامتها فقد حصَّل علمًا غزيرا وفقهًا كبيرا ، ولنتأمل في ذلك هذه القصة المفيدة ؛ كتب رجلٌ إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن اكتب لي بالعلم كله» ، فكتب إليه رضي الله عنه : «إن العلم كثير ، ولكن إن استطعت أن تلقى الله يوم القيامة خفيف الظهر من دماء المسلمين ، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم ، لازمًا لجماعتهم فافعل» ؛ فبيَّن رضوان الله عليه أن هذه الأمور الثلاثة : رعاية حرمة الدماء ، وحرمة الأعراض ، وحرمة الأموال تُعَدُّ فقهًا عظيما من وُفِّق له فقد أدرك خيرًا عظيما, فعلينا أن نُعنى بهذا الأمر العظيم وأن نرعاه حق الرعاية ، وأن نحذر أن نلقى الله جل وعلا يوم القيامة وقد تلوثنا بشيء مما يتعلق بحرمة الدماء أو حرمة الأعراض أو حرمة الأموال ؛ فإن الأمر ليس بالهيِّن . نسأل الله جل وعلا أن يسلِّمنا وأن يسلِّم منَّا ، وأن يصلح لنا شأننا كله , إنه سميع مجيب ..

أحاديث في حرمة المدينة - عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا ؛ أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ)) رواه مسلم . - وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : أَهْوَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ : ((إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ)) رواه مسلم . - وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)) متفق عليه . وفي رواية لأبي داود ((لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا، وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ)) . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا ؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ)) رواه مسلم. - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((المـَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا ، لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) رواه البخاري. - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : «لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا» ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ» رواه البخاري . - وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((رَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ)) رواه أحمد . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ ؛ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ)) رواه البخاري ومسلم . - وعن سعد رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ)) رواه البخاري ، ورواه مسلم بلفظ: ((وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ)) ، ورواه البزار بلفظ: ((اللَّهُمَّ اكْفِهِمْ مَنْ دَهَمَهُمْ بِبَأْسٍ-يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ- وَلَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ)) . - وعن جابر رضي الله عنه أَنَّ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الْفِتْنَةِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُ جَابِرٍ ، فَقِيلَ لِجَابِرٍ : لَوْ تَنَحَّيْتَ عَنْهُ ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ فَنُكِّبَ ، فَقَالَ: تَعِسَ مَنْ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ ابْنَاهُ - أَوْ أَحَدُهُمَا - : يَا أَبَتِ وَكَيْفَ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ مَاتَ!! قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ جَنْبَيَّ )) رواه أحمد . - وعن السائب بن خلَّاد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخَافَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)) رواه أحمد . - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((اللَّهُمَّ مَنْ ظَلَمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَأَخَافَهُمْ فَأَخِفْهُ ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ)) رواه الطبراني في الأوسط والكبير .

TABLE Testing Section
 

من الفائز؟ يجري حديثٌ في بعض مجالس النّاس عن الفوز وعن الفائزين وعن أسباب الفوز وعن من فاز ومن هم الفائزون كلمة تتردد في بعض المجالس وينحصر الفهم عن الفوز وعن معانيه لدى بعض الأفهام في مُتَعٍ زائلة وأُمورٍ فانية؛ فهناك حديث عن فوز في مسابقات تجاريّة، وعن فوز في مباريات رياضية، وعن فوز في تعاملات محرّمة كالقمار والميسر وهكذا تتنوّع الأحاديث عن الفوز وعن ماهيته وحقيقته وعن مجالاته وعن أسبابه ويغيب عن أذهان كثير منهم الفوز العظيم عند لقاء رب العالمين, الفوز برضا الله والنجاة من عذابه والفوز بجنته , يغيب هذا المعنى عن كثير من الأذهان في غمرة الانهماك في متع الدنيا وملذاتها وشهواتها , {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]. والواجب على كل مسلم أن يكون دائماً متذكِّراً الفوز الأكبر والفوز العظيم والفوز المبين يوم يلقى الله تبارك وتعالى. وتأمَّل معي أيُّها المؤمن في هذه الوقفة متذكِّراً ومتفكِّراً في الفوز العظيم وحقيقته يقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. هاهنا مقام الفائزين الرّابحين الذين يمنّ الله عليهم بالفوز الحقيقي العظيم, إنَّ الفوز نجاةٌ من مرهوب وتحصيل لمرغوب, وهذان يجتمعان للمؤمنين أهل الجنة ينجيهم الله تبارك وتعالى من النّار ويمنّ عليهم بدخول الجنة وهذا هو حقيقة الفوز، وأيُّ مرهوب أعظم من النّار؟ وأي مرغوب فيه أعظم من الجنة؟. ولهذا ينبغي لكل واحد منا أن يتذكَّر هذا الموقف العظيم وكلنا صائر إليه , جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: ((دَحْضٌ مَزِلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّم)). تأمَّل هذا الموقف وأنت صائرٌ إليه لا محالة والنّاس على هذا الصراط أقسام ثلاثة حدّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم, تأمَّل هذه الأقسام الثلاثة، وتأمَّل مرور النّاس على هذا الصِّراط المنصوب على متن جهنّم، وتوهّم حالك وأنت على هذا الصراط الذي جاء في بعض الأحاديث أنه أدقُّ من الشعر, وقد وضعت قدمك عليه وبين أيديك الناس ومن خلفك ناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم، ومن نجا منهم يتفاوتون في سرعة المرور عليه فمنهم من يمرّ كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل, على قدر تفاوتهم وتباينهم في طاعة الله عز وجل في هذه الحياة، فتفكَّر في حالك وأنت من هؤلاء وأنت صائرٌ إلى هذا المقام {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [مريم: 81 – 82] هل أنت من هؤلاء النّاجين الفائزين أو لست منهم. وإذا قلت أيُّها المؤمن: ما هي صفات هؤلاء الفائزين؟ وما هي أعمالهم التي نالوا بها هذا الفوز العظيم؟ تجد الجواب في كتاب الله عزّ وجل بل تجده في آية واحدة في القرآن جمعت لك أسباب الفوز والغنيمة , يقول الله تعالى في سورة النور {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52] إنَّها صفاتٌ أربعة إذا اجتمعت في العبد كان من الفائزين: 1- طاعة الله. 2- وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. 3- وخشية الله والوقوف بين يديه سبحانه وتعالى. 4- وتقوى الله جلّ وعلا بالبعد عن المعاصي والآثام. فمن كان بهذا الوصف وعلى هذه الحال فإنه يكون من الفائزين, ثم تذكّر حال المؤمنين الفائزين ماذا لهم بعد نجاتهم من النار وفكاكهم من عذابها وسلامتهم من الدّخول فيها؟ وماذا أعدَّ الله لهؤلاء الفائزين؟ يقول الله تعالى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ، وَكَأْسًا دِهَاقًا ، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ، جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا } [النبأ: 31 – 36] ما أعظمها من حال وما أطيبه من مآل فكّهم الله عزّ وجل وأجارهم من النار فجازوا الصراط ودخلوا الجنة وحازوا هذا النعيم المقيم فتفكر في هذا المقام وأهل الجنة يدخلون الجنّة من بابها فائزين أعظم فوز نائلين أعظم غنيمة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [الحديد: 12]، { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11]. فهل فوزٌ يطلب أعظم من هذا ؟! إذ هو غاية الغايات ونهاية النّهايات؛ حيث فازوا برضوان ربّ الأرض والسماوات، وفرحوا بقربه سبحانه ولذّة المناجاة، وتنعّموا بالنّظر إلى وجهه الكريم وهو أعظم النعيم وأكمل اللّذات. فتفكّر في حالك ومآلك في هذا المقام العظيم، وتأمّل هذه المعاني ولا تشغلك ـ يا رعاك الله ـ مُتع الدّنيا عن هذا الفوز المبين. والواجب على المؤمن أن يكون دائماً وأبداً في كلِّ أيامه ولياليه مُتَذَكِّراً لهذا المقام العظيم آخذاً بالأسباب التي يكون بها نجاتُه من سخط الله وعقابِه وفوزُه بجنّته ونعيمه {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [الصّافات:60 - 61]. قال الشيخ السّعديّ رحمه الله في تفسير هذه الآية: ((فهو أحقُّ ما أُنفقت فيه نفائسُ الأنفاس، وأولى ما شمَّر إليه العارفون الأكياس، والحسرة كل الحسرة، أن يمضي على الحازم وقتٌ من أوقاته، وهو غير مشتغلٌ بالعمل، الذي يقرِّب لهذه الدّار، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار؟!)). وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا أجمعين من الفائزين حقّاً النّاجين صدقاً وأن يوفّقنا لطاعته ولنيل رضاه وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً إنَّ ربي لسميع الدُّعاء وهو أهلُ الرّجاء وهو حسبنا ونعيم الوكيل .

الْفُرْقَان بَيْنَ الْـمُـتَصَدِّقِينَ وَالْـمُرَابِين صنفان من الناس أحدهما مباركٌ على مجتمعه وخيرٌ على موطنه وبلده ، والآخر آفة من الآفات ووباءٌ عظيم وشرٌ مستطير ؛ إنهما المتصدِّق والمرابي . فأما المتصدق فهو من يعطي المال ولا يأخذ عليه عوضا ، وإنما يعطيه لأهل الحاجة والضعف والفقر احتسابا ورجاءً لثواب الله { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا }[الإنسان:9] . وأما المرابي فإنه على العكس من ذلك ؛ يأخذ المال من الضعفاء والمحتاجين مستغلًا حاجتهم وضعفهم ، يأخذه منهم بغير عوَض ظلمًا وجشعًا وعدوانا . والله جل وعلا في كتابه العظيم بيَّن حال هؤلاء وحال هؤلاء ومآل هؤلاء ومآل هؤلاء ؛ ليعتبر من أراد لنفسه العبرة وليتَّعظ من وفَّقه الله جل وعلا للاتعاظ . يقول الله تعالى: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ }[البقرة:276] ؛ إن المال الذي يأخذه المرابي قلَّ أو كثُر مالٌ ممحوق البركة ومآله وعاقبته إلى قلة ، وقد صح في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ)) رواه ابن ماجة ، وأما المتصدق فإنه يلقى بركة صدقته نماءً ورفعةً وخيرًا وبركة في الدنيا والآخرة حتى وإن كان الذي تصدَّق به مالًا قليلا { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }[البقرة:261] حتى لو كان الذي تصدَّق به عِدل تمرة فإنَّ الله عز وجل كما جاء في الحديث يربِّيها له كما يربي أحدنا فَصِيله حتى تكون يوم القيامة مثل الجبل . ومن بيان القرآن العظيم لحال هؤلاء وحال هؤلاء قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران:130-134] ؛ فذكر جل وعلا في هذا السياق المبارك أن الربا ضد الصدقة ، وأن المرابين ضد المتصدقين ، وتوعَّد المرابين بالنار ، ثم ذكر جل وعلا الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض وأنها أعدَّت للمتقين وذكر من صفتهم أنهم ينفقون في السراء والضراء ؛ أي أنهم أهل بذلٍ وصدقةٍ وإنفاقٍ وسخاء ؛ وهذا فيه ذِكرٌ لعقوبة المرابي عند الله جل وعلا وذِكرٌ لثواب المتصدقين . ومن عقوبة المرابي عند الله جل وعلا ما ذكره الله في قوله : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة:275] ؛ قال غير واحدٍ من المفسرين : إن هذا بيانٌ لحال المرابي يوم يقوم من قبره وأنه يقوم على هذه الصفة ؛ على صفة المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس ، فيقوم مثقلًا مُثخنًا بتلك الأموال الربوية التي ملأ بها جوفه وبطنه فأثقلته وجعلته بهذه الحال البئيسة . فشتان بين هذا وبين من قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم : ((كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ)) رواه أحمد، ذاك يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وأما المتصدق فإنه يقوم قومةً مباركة في ظلِّ صدقته إلى أن يُقضى بين الناس . ومن عقوبة المرابي ما جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيما رآه في المنام في حديثٍ طويل أنه رأى عليه الصلاة والسلام ذلك الرجل الذي يسبح في نهرٍ مثل الدم وأنه يسبح ما شاء الله أن يسبح ثم إذا جاء إلى شطِّ النهر ليخرج وإذا برجل قائمٍ على شط النهر فإذا اقترب ألقمه حجر ، وهو على هذه الحال في هذه العقوبة التي يعاقَب بها بعد موته ؛ فشتان بين هذه الحال البئيسة وحال المتصدق فيما ذكره الله جل وعلا له من ثوابٍ عظيم وأجر جزيل وخيرات عميمة في الدنيا والآخرة . والمرابون فيهم شبَهٌ من اليهود الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة حيث قال: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ }[النساء:161] . وفيهم شبَه بالكفار المشركين ، ونبينا عليه الصلاة والسلام لما خطب الناس في حجة الوداع أبطل كل ربا الجاهلية وقال عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ)) ، فجاء الإسلام بنقض الربا إبطاله والتحذير منه ، فمن وفقه الله عز وجل للسلامة منه والعافية فقد عافاه الله تبارك وتعالى ، وأما من تلوث به وتلطخ فإن حاله في تلطخه بالربا يكون فيه شبهٌ من اليهود وشبهٌ من المشركين ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام محذرًا ومنذرا : ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ)) . إن المتصدق رجلٌ عمَرَ الله سبحانه وتعالى قلبه بالرحمة والشفقة على الفقراء والمحتاجين ، فإذا وجد حاجةً أو ضعفًا أو شدةً أو فقرا أقبل بماله سخيةً به نفسه باذلًا في سبيل الله منتظرًا على ذلك موعود الله جل وعلا وأجره الكريم وثوابه العظيم ، بخلاف المرابي فإنه إذا رأى الحاجة في الناس اشتدت تحرك جشعًا وطمعًا وقدَّم لهم من المال شريطة أن يكون منهم العوض أضعافًا مضاعفة ، ولاسيما كلما ازدادت المدة وامتد الزمن جشعًا وطمعا لا يبالي بضعف الفقير ولا يبالي بحاجة المحتاج ، نُزعت من قلبه الرحمة والشفقة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح عنه : ((لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ)) ، وذكَر عليه الصلاة والسلام أنَّ الشقي من الناس من انتُزعت من قلبه الرحمة ، بينما المتصدق في مثل هذه الحال يقبِل بنفسٍ سخية وبذلٍ وجودٍ وكرم ، ثم ماذا ؟ تلك الأموال التي يحصِّلها المرابي أموالٌ لا بركة فيها ولا خير ، وأما المتصدق فإن صدقته وإن قلَّت تكون أضعافًا مضاعفة ؛ أجورًا وخيراتٍ وبركاتٍ في الدنيا والآخرة . إن من يتأمل حال المرابي في مجتمعه يجد أن نظرة الناس إليه هي نظرة مبغض لما قام في قلبه من جشع وهلع وطمع ، فهو في مجتمعه ممقوت لدى الناس ؛ تبغضه القلوب وتكرهه النفوس وتشمئز من تصرفاته وأعماله ، بخلاف المنفِق فإنه محبوبٌ عند الله ومحبوب عند عباده . المرابي ليس له في مراباته إلا نيل الدعاء من الناس عليه لظلمه لهم واستغلاله لضعفهم وحاجتهم ، وأما المتصدق فله الدعوات المباركات والثناء الجميل والذكر العطر لقاء إحسانه وجزاء بره وكرمه . هذا وقد ثبت في الحديث الصحيح عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام أن العبد إذا وقف يوم القيامة بين يدي الله يُسأل سؤالان عن ماله : من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ ؛ قال عليه الصلاة والسلام : ((لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ)) وذكر منها «عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟» . ألا ما أكرمها من حال وما أطيبه من مآل عندما يقف ذلك المتصدق الكريم بين يدي الرب العظيم ذي الجلال ويُسأل عن ماله فيكون الجواب: أنه اكتسبه من الوجوه المباحات ، وأنفقه فيما أحلّه الله له إضافة إلى إنفاقه من أمواله في وجوه البر والإحسان والصدقات . وما أقبحها من حال وما أسوأه من مآل عندما يقف المرابي بين يدي الله جل وعلا ويُسأل عن ماله فإذا بتلك الأموال قد جُمعت من الربا وغير ذلك من الوجوه المحرمة وصُرفت أيضا في الحرام وما يُسخط الرب جل وعلا . والمقام لا يسع ذكر أكثر من هذا ، وفيما ذُكر عظة وعبرة لمن وفقه الله تبارك وتعالى للاتعاظ والاعتبار ، والله وحده الموفق لا شريك له.


[Previous] [Next] [Section] [Contents] [Specification]

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire